اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 224
لذلك لا تلتفت ـ أيها
المريد الصادق ـ لمن يزعم لك أن الله تعالى كشف له الحقائق، فأبصرها بعينه ما لم
تكن تلك الحقائق مستنيرة بنور الوحي.. فليس كل كشف بصحيح، ولا كل من يدعي البصيرة
مبصرا، وقد قال تعالى عن الذين يتركون الوحي، ويتبعون الأهواء: ﴿ أَفَمَنْ
يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]
والبصيرة بذلك ـ أيها
المريد الصادق ـ تقتضي أمرين:
أولهما تطهير النفس من
الشوائب التي تحول بينها وبين قبول الحق والإذعان له.
وثانيهما الاستسلام التام
للوحي، ورؤية الأشياء بعينه.. لا بعين النفس أو الهوى الذي قد يلبس لباس العقل.
ولهذا اعتبرت البصيرة ركنا
من أركان العقل السليم، ففي الحديث عن رسول الله a أنه
قال: (قسم العقل على ثلاثة أجزاء، فمن كانت فيه كمل عقله، ومن لم تكن فيه، فلا عقل
له: حسن المعرفة بالله عزّ وجل، وحسن الطاعة له، وحسن البصيرة على أمره) ([461])
كما أنها ركن من أركان
الدين، وقد ورد في دعاء النبي a: (اللهم إنّي أسالك أن
تجعل النور في بصري، والبصيرة في ديني، واليقين في قلبي) ([462])
كما أنها ركن من أركان
الدعوة، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]
إذا عرفت هذا ـ أيها
المريد الصادق ـ فاعلم أنه مثلما يعتري البصر الآفات التي تمنعه من الرؤية؛ فكذلك
البصيرة، قد تبتلى بالآفات التي تطمسها، وتمنع عنها الرؤية السليمة.