وهي بذلك ليست مرتبطة
بالمؤمنين السالكين فقط، بل هي عامة لكل الخلق.. فحقيقة الإنسان تكمن في مراداته
التي يختارها بمحض حريته، كما قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ
عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ
جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ
وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا
(19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ
عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ [الإسراء: 18 - 20]
فالله تعالى ـ كما تذكر
الآيات الكريمة ـ يمد الجميع بحسب ما تقتضيه رغباتهم في الدنيا.. ثم يعاينون بعد
ذلك نتائج اختياراتهم التي لم يظلموا فيها، ولم يرغموا عليها.
وحين ذاك يعرف الخلق جميعا
قيمة الذين اختاروا الله وأرادوه، والذين كانوا ربما من المحتقرين في الدنيا، كما
قال تعالى:﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا
مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ
الظَّالِمِينَ (52)﴾ (الأنعام)
ولهذا ذكرها رسول الله a
في أحاديث كثيرة، واعتبر أنها مثل النية هي المحددة لقيمة الأعمال، قيم أصحابها،
ففي الحديث عن جابر قال: كنا مع النبي a في غزاة فقال:
(إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم؛ حبسهم
المرض)، وفي رواية: (إلا شركوكم في الأجر)([422])