اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 166
التوكل والسلوك:
أما الركن الثاني للتوكل،
فهو السلوك الذي تدعو إليه المعرفة، وينسجم معها، وإياك أن تظن ـ أيها المريد
الصادق ـ أن ذلك السلوك هو ما قام به من تركوا الأسباب جملة، وتوهموا أنهم من
المتوكلين؛ فلا علاقة لذلك بالتوكل.
ولهذا
ذم الله تعالى أولئك الذين كان بإمكانهم أن يخرجوا من الحال التي وجدوا أنفسهم
عليها، لكنهم قصروا أو أبوا، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ
الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا
مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً
فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ
مَصِيراً﴾ (النساء:97)
وهكذا
يدعو الله تعالى عباده لاختيار البيئة المناسبة التي تساعدهم على أن يعيشوا حياتهم
بصورة طبيعية، تمكنهم من عبادة ربهم، وأداء التكاليف التي كلفوا بها، قال تعالى:
﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ
فَاعْبُدُونِ﴾ (العنكبوت:56)، وقال: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ
وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ﴾ (الزمر:10)
وقد
ورد في الحديث أن رسول الله a بعث سريّة إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسّجود فأسرع فيهم القتل،
فبلغ ذلك النّبيّ a فقال: (أنا بريء من كلّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين)
([326])
ولهذا
أيضا ورد في الحديث عدم استجابة الله تعالى لدعاء من قدر على أن يخرج من البلاء،
لكنه لم يفعل، فعن رسول الله a أنه قال: (إن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم: رجل يدعو على
والديه، ورجل يدعو على غريم ذهب له بماله فلم يكتب عليه ولم