اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 161
هذا موسى وقومه ولكن انظر
إلى الأفق، فنظرت فإذا سوادٌ عظيمٌ، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سوادٌ
عظيمٌ، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذابٍ)،
ثم ذكر سبب دخولهم الجنة بغير حساب، فقال: (هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون ولا
يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) ([317])
إذا
عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن تحصيل التوكل ليس شديدا، ولا صعبا، بل
هو يسير لمن التمس أسبابه.. ذلك أنه لا يحتاج سوى ترسيخ الثقة في الله، وفي علمه
وقدرته وفضله وكرمه، مما يملأ النفس سكونا وراحة وطمأنينة لمقاديره، وكل ذلك مما
يجعل سلوكها ومواقفها منسجمة مع تلك المعارف والأحوال.
التوكل والمعرفة:
أما
الركن الأول الذي يقوم عليه التوكل، ولا يمكن تحصيله من دونه؛ فواضح للعقول، ذلك
أنها لا تكل أمورها عادة إلا لمن تثق فيهم، وفي قدراتهم.. ولذلك إن عمقت النفس
معرفتها بالله، بالتأمل والتفكير والنظر، وصلت إلى المعارف التي تملؤها ثقة به،
وبتدبيره، وحينها تسلم أمورها إليه.
ومما
يعينك على ذلك ـ أيها المريد الصادق ـ ترديدك لما ورد في السنة المطهرة من أذكار
وأدعية؛ فهي مليئة بالمعاني الراقية التي تفيدك في التأمل، وترسخ فيك معنى التوكل
والتسليم والتفويض لله.
وقد ورد في السنة المطهرة الكثيرة منها، ولعل أيسرها، وأسهلها
ما دعا إليه رسول الله a
بقوله لبعض أصحابه:(ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة: لا
حول ولا قوة إلا بالله)([318])
وهذا الكنز من كنوز الجنة هو ما يشير إليه قوله تعالى في
حوار المؤمن مع صاحب