اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 118
وأما
الطريق الثاني للمحبة؛ فهو علمك بأن جميع مصالحك في الدنيا والآخرة مرتبطة به،
فلولاه ما كان لك وجود، ولا كان لك أي شيء.. ومن عرف نفسه وعرف ربه علم (أنه لا
وجود له من ذاته، وإنما وجود ذاته ودوام وجوده وكمال وجوده من الله وإلى الله
وبالله، فهو المخترع الموجد له وهو المبقي له وهو المكمل لوجوده بخلق صفات الكمال
وخلق الأسباب الموصلة إليه وخلق الهداية إلى استعمال الأسباب، وإلا فالعبد من حيث
ذاته لا وجود له من ذاته، بل هو محو محض وعدم صرف لولا فضل الله تعالى عليه
بالإيجاد)([222])
ثم هو بعد هذا الوجود المستفاد من
الله هالك عقيب وجوده لولا فضل الله عليه بالإبقاء، ثم هو ناقص بعد الوجود لولا
فضل الله عليه بالتكميل، فليس في الوجود من يقوم بنفسه إلا الله الذي هو قائم
بذاته، وكل ما سواه قائم به.
فلهذا إذا أحب العاقل ذاته أحب من
يقوم بها، فإن كان لا يحبه فهو لجهله بنفسه وبربه، فالمحبة ثمرة المعرفة تنعدم
بانعدامها وتضعف بضعفها وتقوى بقوّتها.
ومثال هذا المبتلى بحرّ الشمس، فإنه
لما كان يحب الظل، فإنه بالضرورة يحب الأشجار التي بها قوام الظل، (وكل ما في
الوجود بالإضافة إلى قدرة الله تعالى فهو كالظل بالإضافة إلى الشجر والنور
بالإضافة إلى الشمس فإنّ الكل من آثار قدرته، ووجود الكل تابع لوجوده، كما أن وجود
النور تابع للشمس ووجود الظل تابع للشجر) ([223])
ويدل لهذا ما جبلت عليه
القلوب من حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، كما قال الشاعر معبرا عن ذلك:
وَقّيَّدْتُ نفسي في ذراك محبةً
***
ومن وجدَ الإِحسانَ قيداً تقيدا