اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 87
وإن
شئت أن تعتبر بذلك ـ أيها المريد الصادق ـ فتوهم صديقا من أصدقائك، يبالغ في
إكرامك، والثناء عليك، ثم تراه بعد ذلك يتهمك بأي تهمة، أو يظن بك ظنون السوء؛ فهل
يمكن أن تعتبر مثل هذا صديقا؟
وهل
يمكن أن يكون إكرامه لك ببعض الطعام أو الهدايا ناسخا لتلك التهم التي رماك بها،
وأشاعها عنك؟
وهكذا؛
فإن التسبيح والتقديس ليسا مرتبطين بالمعارف الإلهية فقط، وإنما يرتبطان بالقيم
الأخلاقية؛ فالذي لا ينزه الله عما لا يليق به لا يختلف عن ذلك الذي يقذف الناس
بما ليس فيهم؛ فيبهتهم ويظلمهم، وقد قال الله تعالى في توجيهاته للذين وقعوا في
الإفك: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ
مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ الله
عَظِيمٌ﴾ [النور: 15]، بل إنه ربط ذلك بالتسبيح، فقال: ﴿وَلَوْلَا
إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا
سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 16] ليشير بذلك إلى أن الذي
ينزه لسانه عن الكذب والافتراء على الخلق، أولى أن ينزهه عن الافتراء والكذب على
الله.
ولهذا
يذكر الله تعالى فداحة جرم من ينسبون له الولد، قال تعالى: ﴿وَيُنْذِرَ
الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ الله وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا
لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ
إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف: 4 ـ 5]
بل
ذكر في آيات أخرى تأثر الكون جميعا بتلك الاتهامات التي يتهم بها الله، قال تعالى:
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا
إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ
وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا
يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: 88 -
93]
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 87