اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 613
المخالطه التربویه
كتبت
إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن مخالطة المجتمع، وكيفية تحويلها إلى مدرسة
تربوية تزكى النفس وترقىها من خلال التلمذة عليها، حتى تصبح بذلك كلا من خلوة
السالك وجلوته طريقا يسير به إلى الكمال المتاح له.
وجوابا
على سؤالك الوجيه أذكر لك أن ما ذكرته من إمكانية تحويل المخالطة إلى وسيلة تربوية
للنفس لتزكيها وترقيها هو نفس ما وردت به النصوص المقدسة، كما اختصر ذلك رسول الله
a في قوله: (الّذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الّذي لا
يخالط النّاس ولا يصبر على أذاهم)([1231])
بل
إن الكثير من التكاليف الشرعية التي تُهذَّب بها النفس لا يمكن تطبيقها إلا
بالمخالطة، وإلا أصبح المعتزل فردا حياديا، وجوده كعدمه، ويفوته بذلك الخير الكثير
الذي أعده الله تعالى لمن مارس الحياة الاجتماعية بكل صعوباتها.
ولذلك
يصنف الله تعالى البشر ـ بحسب قعودهم ونشاطهم ـ إلى قسمين، فيقول: ﴿لا
يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ
اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً
وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى
الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ (النساء:95)
ويخبر
عن موقف الكسالى في كل عصر من حنينهم إلى القعود ـ ولو باسم الخلوة والعزلة أو
الابتعاد عن الفتن ـ فيقول: ﴿وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا
بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ
وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ (التوبة:86)، وفي