اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 539
بتذكيرهم بالنظر إلى مبدأ خلقهم، قال
تعالى:﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾
وحينذاك
يبدل هؤلاء الغافلون عن كنوز المعارف المخبأة في السموات والأرض الموضوع، فيسألون
عن موعد ما لا يؤمنون به،وكأن عدم تحديد الموعد هو الدليل على ما ينكرونه، قال تعالى:﴿فَسَيُنْغِضُونَ
إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ
قَرِيباً﴾ (الاسراء:51)
أما
طريق تحقيق ذلك، فالقرآن الكريم يدل عليه بالنظر في السموات والأرض، فيستدل
بالقدرة على النشأة الثانية بقدرته تعالى على النشأة الأولى، قال تعالى:﴿أَوَلَيْسَ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ
مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ (يّـس:81)
فكل
شيء يسير على الله، والكون كله يدل على ذلك اليسر، قال تعالى:﴿أَوَلَمْ
يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (العنكبوت:19)، وقال تعالى:﴿أَفَعَيِينَا
بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (قّ:15)
ويرد
على غلاظ القلوب من بني إسرائيل الذين صورت لهم عقولهم الغارقة في أوحال المادة أن
الله ـ تعالى عما يقولون ـ يلحقه العياء، فرد عليهم تعالى في قوله تعالى:﴿أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ
بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الاحقاف:33)
وهذه
النظرة لسطور المكونات تكسبها من الجمال ما لا يكسبها أي وصف بشري، فلا مقارنة بين
من يرى ذات الزهرة التي سرعان ما تذبل، فيحزن لذبولها بقدر ما سره تفتحها، وبين من
يرى في ابتسام الزهرة لطف الله ورحمته وجماله.
وشبه
بعض الحكماء عبور المؤمن للكون الحسي الذي يستوي في النظر إليه العارف والغافل،
بالنظر إلى المرآة، فهي من حيث أنها زجاجة، نرى مادتها الزجاجية، وتكون
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 539