اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 536
تدل
عليه؛ ذلك أن الله تعالى يدعونا إلى إعادة قراءة كل شيء في الكون بناء على الحقائق
التي يقوم عليها، لا على الأهواء التي صنعتها النفوس.
ذلك
أن كل الكون بأعيانه وأحداثه وجواهره وأعراضه ليس سوى رسائل إلهية تدل على الحقائق
الوجودية العظمى، والتي يترقى السالك من خلال معرفتها في معارج الكمال المتاح له
بحسب قابليته واستعداده الذي وفره لنفسه عبر تهذيبها وتزكيتها.
ولهذا
كان أول ما أمر به رسول الله a، بل ما أمرت به أمته ـ كما يشير الحكماء ـ هو أن تعاد
قراءة الكون باسم الله، كما قال تعالى:﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ﴾ (العلق:1)، فالآية تحتمل من حيث الإشارة أن يكون اسم الموصول
مفعولا به، ويصير المعنى حينئذ (اقرأ باسم ربك الأشياء التي خلقها)
والقرآن
الكريم مليئ بهذا المعنى مما قد لا يحوجنا إلى هذا المعنى الإشاري الذي يفهمه الحكماء،
بل فيه الدلالة على كيفية قراءة الكون باسم الله.
فالله
تعالى يأمرنا بقراءة الرحمة الإلهية من خلال حياة الأرض بعد موتها، قال تعالى:﴿فَانْظُرْ
إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾
(الروم: 50)
ويأمرنا
بالاستبشار تفاؤلا بفضل الله، وفرحا بالله، وتنسما لرحمة الله عند هبوب الرياح
التي يرسلها الله، قال تعالى:﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً
بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ
لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (لأعراف:57)
ويعلمنا
أن نقرأ لطف الله وخبرته المحيطة بكل شي من خلال حروف الماء الساقطة على الأرض
المخضرة، قال تعالى:﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ (الحج:63)
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 536