اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 504
فقال: لا أطيقه.. قال: قد قلت لك إنك لا
تقبل.
لا
أريد من هذا ـ أيها المريد الصادق ـ أن أذكر لك أن الذي فعله هذا الحكيم صحيحا، أو
شرعيا؛ فهو ليس نبيا، ولا من أئمة الهدى الذين أمرنا باتباع سننهم، ولكن معنى ما
فعله صحيح، ذلك أن الوزير مع ممارساته لكثير من الأعمال الصالحة إلا أن ارتقاء
نفسه إلى الدرجات العليا يحتاج الكثير من التواضع، والبعد عن كل ما يملأ النفس
عجبا وغرورا واستكبارا، ولهذا دله الحكيم على بعض ما يقمع تلك الأمراض التي تحول
بينه وبين الترقي في مراتب الصالحين.
ولهذا
كان بعض الشيوخ يربي مريديه بحسب أحوالهم مثلما يفعل الطبيب الذي لو عالج جميع
المرضى بعلاج واحد، قتل أكثرهم، (فكذلك الشيخ لو أشار على المريدين بنمط واحد من
الرياضة أهلكهم، وأمات قلوبهم. بل ينبغي أن ينظر في مرض المريد، وفي حاله. وسنه،
ومزاجه، وما تحتمله بنيته من الرياضة، ويبنى على ذلك رياضته.. فإن رأى الرعونة
والكبر وعزة النفس غالبة عليه، فيأمره أن يمارس ما يمارسه عامة الناس، فإن عزة
النفس والرئاسة لا تنكسر إلا بالذل، فيكلفه المواظبة على ذلك مدة، حتى ينكسر كبره
وعز نفسه. فإن الكبر من الأمراض المهلكة، وكذلك الرعونة.. وإن رأى الغالب عليه
النظافة في البدن والثياب، ورأى قلبه مائلا إلى ذلك، فرحا به، ملتفتا إليه استخدمه
في تعهد بيت الماء وتنظيفه، وكنس المواضع القذرة، وملازمة المطبخ ومواضع الدخان،
حتى تتشوش عليه رعونته في النظافة. فإن الذين ينظفون ثيابهم ويزينونها، ويطلبون
المرقعات النظيفة، والسجادات الملونة، لا فرق بينهم وبين العروس التي تزين نفسها
طول النهار. فلا فرق بين أن يعبد الإنسان نفسه، أو يعبد صنما. فمهما عبد غير اللّه
تعالى. فقد حجب عن اللّه. ومن راعى في ثوبه شيئا سوى كونه حلالا وطاهرا مراعاة
يلتفت إليها قلبه، فهو مشغول
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 504