اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 503
بالأرض، وهو يقول بصوت حزين: (بؤت إليك
بذنبي، عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يامولاي) ثلاث مرات،
ثم ألصق خده الأيسر بالأرض، وهو يقول: (ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف) ثلاث
مرات ثم رفع رأسه([1047]).
إذا
عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن كل هذه الممارسات الشديدة على النفس،
لها تأثيرها التربوي الكبير، ذلك أن الذي تمتلئ نفسه بالكبر والعجب والغرور يستحيل
عليه أن يفعل بنفسه هذا، ولهذا روي عن المسيح عليه السلام أنه قال لبني إسرائيل:
أين ينبت الزرع؟ قالوا في التراب. فقال: بحق أقول لكم، لا تنبت الحكمة إلا في قلب
مثل التراب.
ومما
يروى في هذا أن رجلا من الوزراء وأصحاب الجاه، كان يصحب بعض الحكماء، ويعجب
بكلماته، وذات يوم قال له: أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر لا أفطر، وأقوم الليل لا
أنام، ولا أجد في قلبي من هذا العلم الذي تذكر شيئا، وأنا أصدق به وأحبه، فقال له
الحكيم: ولو صمت ثلاثمائة سنة، وقمت ليلها ما وجدت من هذا ذرة. قال ولم؟ قال لأنك
محجوب بنفسك. قال فلهذا دواء؟ قال نعم. قال قل لي حتى أعمله. قال لا تقبله.. قال:
فاذكره لي حتى أعمله. قال: اذهب الساعة إلى المزين فاحلق رأسك ولحيتك، وانزع هذا
اللباس واتزر بعباءة، وعلق في عنقك مخلاة مملوءة جوزا، وأجمع الصبيان حولك، وقل كل
من صفعنى صفعة أعطيته جوزة، وادخل السوق، وطف الأسواق كلها عند الشهود وعند من
يعرفك وأنت على ذلك فقال الرجل: سبحان اللَّه، تقول لي مثل هذا؟ فقال: قولك سبحان
اللَّه شرك، قال: وكيف؟ قال: لأنك عظمت نفسك فسبحتها وما سبحت ربك، فقال: هذا لا
أفعله، ولكن دلني على غيره. فقال: ابتدئ بهذا قبل كل شيء.