اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 494
الناس غباوة وحمقا، أما تعرفين ما بين
يديك من الجنة والنار، وأنك صائرة إلى إحداهما على القرب، فما لك تفرحين، وتضحكين،
وتشتغلين باللهو، وأنت مطلوبة لهذا الخطب الجسيم، وعساك اليوم تختطفين أو غدا!
فأراك ترين الموت بعيدا ويراه اللّه قريبا. أما تعلمين أن كل ما هو آت قريب، وأن
البعيد ما ليس بآت؟
أما
تعلمين أن الموت يأتي بغتة من غير تقديم رسول، ومن غير مواعدة ومواطأة، وأنه لا
يأتي في شيء دون شيء، بل كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة، فإن لم
يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة، ثم يفضي إلى الموت، فما لك لا نستعدين للموت وهو
أقرب إليك من كل قريب.
و
إن كان مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك، وأقل حياءك ويحك يا نفس، لو واجهك أخ
من إخوانك بما تكرهينه كيف كان غضبك عليه، ومقتك له، فبأي جسارة تتعرضين لمقت
اللّه، وغضبه، وشديد عقابه! أ فتظنين أنك تطيقين عذابه؟ هيهات هيهات، جربي نفسك،
إن ألهاك البطر عن أليم عذابه فاحتبسى ساعة في الشمس، أو في بيت الحمام، أو قرّبي
أصبعك من النار، ليتبين لك قدر طاقتك.
أم
تغترين بكرم اللّه وفضله، واستغنائه عن طاعتك وعبادتك، فما لك لا تعوّلين على كرم
اللّه تعالى في مهمات دنياك. فإذا قصدك عدو فلم تستنبطين الحيل في دفعه، ولا
تكلينه إلى كرم اللّه تعالى! وإذا أرهقتك حاجة إلى شهوة من شهوات الدنيا مما لا
ينقضي إلا بالدينار والدرهم، فما لك تنزعين الروح في طلبها وتحصيلها من وجوه
الحيل، فلم لا تعوّلين على كرم اللّه تعالى حتى يعثر بك على كنز، أو يسخّر عبدا من
عبيده فيحمل إليك حاجتك من غير سعي منك ولا طلب، أ فتحسبين أن اللّه كريم في
الآخرة دون الدنيا، وقد عرفت أن سنة اللّه لا تبديل لها، وأن رب الآخرة والدنيا
واحد وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 494