اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 437
وهذا
لا يعني أن هذه الطرق متناسبة مع الناس جميعا، بل تختلف النفوس فيها، بحسب المثالب
التي تتصف بها، وقد ذكر ذلك بعض الحكماء، فقال: (طريق المجاهدة والرّياضة لكلّ
إنسان تختلف بحسب اختلاف أحواله. والأصل فيه أن يترك كلّ واحد ما به فرحه من أسباب
الدّنيا، فالّذي يفرح بالمال، أو بالجاه، أو بالقبول في الوعظ، أو بالعزّ في
القضاء والولاية، أو بكثرة الأتباع في التّدريس والإفادة، فينبغي أن يترك أوّلا ما
به فرحه، فإنّه إن منع عن شيء من ذلك وقيل له: ثوابك في الآخرة لم ينقص بالمنع،
فكره ذلك وتألّم به فهو ممّن فرح بالحياة الدّنيا واطمأنّ بها، وذلك مهلك في حقّه.
ثمّ إذا ترك أسباب الفرح فليعتزل النّاس، ولينفرد بنفسه، وليراقب قلبه، حتّى لا
يشتغل إلّا بذكر الله تعالى والفكر فيه. وليترصّد لما يبدو في نفسه من شهوة
ووسواس، حتّى يقمع مادتّه مهما ظهر، فإنّ لكلّ وسوسة سببا، ولا تزول إلّا بقطع ذلك
السّبب والعلاقة. وليلازم ذلك بقيّة العمر فليس للجهاد آخر إلّا بالموت)([945])
وهو
لا يعني بالانقطاع عن الناس أو العزلة عنهم، العزلة الدائمة؛ فذلك منهي عنه، وإنما
أراد بها العزلة المؤقتة التي يحتاج السالك إليها كل حين لمراجعة نفسه وسلوكه، حتى
لا يتسرب إليه من الطباع ما يخالف الفطرة السليمة.
مجاهدة الترقية:
أما مجاهدة الترقية ـ أيها المريد الصادق ـ فهي بذل الجهد في ممارسة كل
الوسائل التي أمرنا الله تعالى باستعمالها للتحقق بالأخلاق العالية، والروحانية
السامية.. ذلك أن عاقبة تلك المجاهدات عظيمة جدا، وقد قال تعالى في فضل قيام
الليل: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾
[المزمل: 6]