اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 399
للضيف أن يصوم عند مَن زاره وأضافه)، فسئل: (فالرجل يتعلق
بأستار الكعبة ما يعني بذلك ؟)، قال: (مَثَل ذلك مَثَل الرجل يكون بينه وبين الرجل
جناية، فيتعلق بثوبه يستخذي له رجاء أن يهب له جرمه)([827])
وروي
عن الإمام علي أنه ذكر سر الابتلاء بكون الحج إلى تلك المناطق الصعبة دون غيرها،
فقال: (كلّما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل، أَلاَ ترون
أنّ الله سبحانه اختبر الأوّلين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا
العالم بأحجارٍ لا تضرّ ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله
الله للناس قياماً، ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقلّ نتائق (أي مرتفعات)
الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبالٍ خشنةٍ، ورمالٍ دمثةٍ (أي
لينة)، وعيون وشلة (أي قليلة الماء)، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خفٌّ (للجمال) ولا
حافرٌ (للخيل والحمار) ولا ظلفٌ (للبقر والغنم)، ثمّ أمر سبحانه آدم وولده أن
يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه
ثمار الأفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتّى
يهزّوا مناكبهم ذللا، يهلّون لله حوله، ويرملون (أي يهرولون) على أقدامهم، شعثاً
غبراً له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم،
ابتلاءً عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله
تعالى سبباً لرحمته، ووصلة إلى جنته، ولو أراد الله سبحانه أن يضع بيته الحرام،
ومشاعره العظام بين جناتٍ وأنهارٍ، وسهلٍ وقرار جمّ الأشجار، داني الثمار، ملتفّ
البنى، متّصل القرى، بين برة سمراء، وروضةٍ خضراء، وأرياف محدقة، وعراصٍ مغدقة،
وزروعٍ ناضرة، وطرقٍ عامرة، لكان قد صغّر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء.. ولكنّ