اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 348
وقل: (اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ) الّذي يسوقنا إلى جوارك ويفضي بنا إلى مرضاتك، وزده شرحا وتفصيلا
وتأكيدا واستشهادا بالّذين أفاض عليهم نعمة الهداية من النبيّين والصدّيقين
والشهداء والصالحين، دون الّذين غضب عليهم من الكفّار والزائغين من اليهود
والنصارى والصابئين)([691])
واستشعر
ـ أيها المريد الصادق
ـ عند قراءتك للسورة ما ذكرته لك في
رسائلي السابقة حول كيفية تدبر القرآن الكريم والانفعال له وتفعيله وتحويله إلى
معراج تسري به إلى ربك.
واستشعر عند قيام جسدك في الصلاة إقامة
القلب مع الله حتى تتحقق بما ورد في الحديث عن رسول الله a، فقد قال: (إنّ الله مقبل على
المصلّي ما لم يلتفت)([692])، ولا تكتف بقيام جسدك، بل (كما تجب
حراسة الرأس والعين عن الالتفات إلى الجهات؛ فكذلك تجب حراسة السرّ عن الالتفات
إلى غير الصلاة، فإن التفت إلى غيرها فذكّره باطّلاع الله عليك وقبح التهاون
بالمناجى عند غفلة المناجي ليعود إليه، وألزم الخشوع للقلب فإنّ الخلاص عن
الالتفات باطنا وظاهرا ثمرة الخشوع، ومهما خشع الباطن خشع الظاهر)
واستشعر عند الركوع والسجود ما قاله الإمام الصادق، فقد قال: (لا يركع عبد لله ركوعا على الحقيقة إلّا
زيّنه الله تعالى بنور بهائه وأظلّه في ظلال كبريائه وكساه كسوة أصفيائه، والرّكوع
أوّل والسجود ثان، فمن أتى بمعنى الأوّل صلح للثاني، وفي الرّكوع أدب وفي السجود
قرب، ومن لا يحسن الأدب لا يصلح للقرب، فاركع ركوع خاضع لله عزّ وجلّ بقلبه متذلّل
وجل تحت سلطانه، خافض له بجوارحه خفض خائف حزن على ما مدارس النفس اللوامه :ص 349
وقال
بعض الحكماء عند حديثه عن خشوع السجود: (ثمّ تهوي إلى السجود وهو أعلى درجات
الاستكانة، فمكّن أعزّ أعضائك وهو الوجه من أذلّ الأشياء وهو التراب، وإن أمكنك أن
لا تجعل بينهما حائلا فتسجد على الأرض فافعل فإنّه أجلب للخضوع وأدلّ على الذلّ،
وإذا وضعت نفسك موضع الذلّ فاعلم أنّك وضعتها موضعها ورددت الفرع إلى أصله، فإنّك
من التراب خلقت وإليه رددت، فعند هذا جدّد على قلبك عظمة الله وقل: (سبحان ربّي
الأعلى) وأكّده بالتّكرار فإنّ المرّة الواحدة ضعيفة الآثار، فإذا رقّ قلبك وطهر
لبّك فليصدق رجاؤك في رحمة ربّك، فإنّ رحمته تتسارع إلى الضعف والذّلّ لا إلى
التكبّر والبطر فارفع رأسك مكبّرا وسائلا حاجتك ومستغفرا من ذنوبك، ثمّ أكّد
التواضع بالتكرار وعد إلى السجود ثانيا كذلك)
واستشعر إذا جلست للتّشهد ما قاله الإمام الصادق عنه، فقد قال: (التشهّد ثناء على
الله فكن عبدا له في السرّ، خاضعا له في الفعل كما أنّك له عبد بالقول والدعوى،
وصل صدق لسانك بصفاء صدق سرّك، فإنّه خلقك عبدا وأمرك أن تعبده بقلبك ولسانك
وجوارحك وأن تحقّق عبوديّتك له بربوبيّته لك وتعلم أنّ نواصي الخلق بيده فليس لهم
نفس ولا لحظة إلّا بقدرته ومشيّته وهم عاجزون عن إتيان أقلّ شيء في مملكته إلّا
بإذنه وإرادته.. فكن لله عبدا ذاكرا بالقول والدعوى، وصل صدق لسانك بصفاء سرّك،
فإنّه خلقك فعزّ وجلّ أن تكون إرادة ومشيّة لأحد إلّا بسابق إرادته ومشيّته
فاستعمل العبوديّة في الرّضا بحكمته وبالعبادة في أداء أوامره وقد أمرك بالصلاة
على نبيّه محمّد a فأوصل
صلاته بصلاته، وطاعته بطاعته، وشهادته بشهادته، وانظر ألاّ تفوتك بركات معرفة
حرمته فتحرم
[691] المحجة البيضاء
في تهذيب الإحياء، ج1، ص: 388.