اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 31
ولهذا
ورد في الأحاديث والآثار ما يدل على أن النية خير من العمل([20])، فقد روي عن رسول الله a أنه
قال: (نية المؤمن خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيته، وكل يعمل على نيته؛ فإذا
عمل المؤمن عملا ثار في قلبه نور) ([21])
وقد
سئل الإمام الصادق عن معناها، فقال: (لأنّ العمل ربما كان رياء للمخلوقين، والنيّة
خالصة لربّ العالمين، فيعطي عزّ وجلّ على النيّة ما لا يعطي على العمل) ([22])
ومما
يروى في هذا أن بعض المريدين كان يطوف على العلماء، ويقول: (من يدلني على عمل لا أزال
فيه عاملا لله تعالى؛ فإني لا أحب أن تأتي علي ساعة من ليل أو نهار إلا وأنا عامل
من عمال الله تعالى)،
فقال له بعض الحكماء: (أنت قد وجدت حاجتك، فاعمل الخير ما استطعت، فإذا فترت أو
تركته فهم بعمله، إذ من هم بعمل الخير كمن يعمل به)
إذا
عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن أول ما على السائر في طريق الله أن
يتدرب عليه، تصحيح نيته، وتنميتها وإصلاحها؛ فلا يمكن أن يطهر نفسه من دون ذلك.
ذلك
أن النية هي التي تحدد أهداف الأعمال وغاياتها، وهي التي تحميها من كل وساوس
الشيطان التي تعرض لها، وهي التي تدفع إلى الإتقان والإحسان، وتحمي العمل
[20] من المعاني التي
فسر بها الحديث: أن المؤمن بمقتضى إيمانه ينوي خيرات كثيرة لا يوفق لعملها، إما
لعدم تمكنه من الوصول إلى أسبابها، أو لعدم مساعدة الوقت على عملها، أو لممانعة
رذيلة نفسانية عنها بعد الوصول إلى أسبابها، كالذي ينوي إن آتاه الله ما لا ينفقه
في سبيله، ثم لما آتاه يمنعه البخل عن الإنفاق، فهذا نيته خير من عمله، وأيضا
المؤمن ينوي دائما أن تقع عباداته على أحسن الوجوه، لأن ايمانه يقتضي ذلك. ثم إذا
اشتغل بها لا يتيسر له ذلك. ولا يأتي بها كما يريد، فما ينويه دائما خير مما يعمل
به في كل عبادة، وإلى هذا أشار الإمام الباقر بقوله: (نية المؤمن خير من عمله،
وذلك لأنه ينوي الخير ما لا يدركه، ونية الكافر شرّ من عمله، وذلك لأن الكافر ينوي
الشر ويأمل من الشر ما لا يدركه)، وبه فسر كذلك قول الإمام الصادق الذي ذكرناه.
[انظر: جامع السعادات، ج3، ص: 121]
[21] الطبراني في
معجمه الكبير (6/185) وأبو نعيم في الحلية (3/255)، الكافي ج 2 ص 69 ح 2.