اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 286
الانفعال و التفعیل
كتبت
إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن المراتب التالية للفهم والتدبر، وعلاقتها بالتزكية
والترقية، وكيفية التحقق بها، والنزول في منازلها.
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن مراتب القرآن الكريم لا نهاية لها؛ ذلك
أنها تمثل الحقائق الوجودية والقيم السلوكية، وكلاهما لا حدود له.. ولذلك فإن كل
من رقى مرتبة من المراتب، تلوح له مرتبة أخرى، وهكذا لا يتوقف السالك ما دام كمال
الله لا حدود له، وما دام السير التكاملي، والحركة الجوهرية الناتحة عنه لا حدود
لهما.
لكن مع ذلك ـ أيها المريد الصادق ـ يمكنني أن أختصر لك مجامع تلك المراتب في
مرتبتين، كلاهما وردت به النصوص المقدسة، وحض عليه أئمة الهدى ومن تتلمذ عليهم من
الحكماء والصالحين.
أما المرتبة الأولى منهما؛ فهي الانفعال، وأقصد به تلك الحال الوجدانية التي
يجدها التالي والمتدبر للقرآن الكريم، والتي عبر عنها قوله تعالى: ﴿الله
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَى ذِكْرِ الله﴾ [الزمر: 23]
فهي تشير إلى أن من علامات تغلغل القرآن الكريم في وجدان القارئ له، تلك
القشعريرة اللذيذة التي يجدها، والتي تعبر عن حالته النفسية والشعورية عند فهمه
وتدبره للمعاني العظيمة التي تتنزل عليه من كلام ربه.
وأما المرتبة الثانية؛ فهي التفعيل، وأقصد به تلك الحركات السلوكية التي
تسرع إلى تطبيق القيم القرآنية، من دون تردد، ذلك أن الانفعال الذي سرى إلى
الوجدان والمشاعر
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 286