اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 275
حقائقه التي تنفعك في دنياك وأخراك؛ فهو
لم ينزل إلا لأجل ذلك، وقد قال ابن مسعود: (من أراد علم الأوّلين والآخرين فليثوّر
القرآن)
وقد
قال بعض الحكماء يشير إلى كيفية ذلك الفهم، ضارب المثل عنه بما ورد في حق الله
تعالى وصفاته وأسمائه وأفعاله: (أعظم علوم القرآن تحت أسماء الله وصفاته إذ لم
يدرك أكثر الخلق منها إلّا أمورا لائقة بأفهامهم ولم يعثروا على أغوارها، وأمّا
أفعاله فكذكره خلق السماوات والأرض وغيرها فليفهم التالي منها صفات الله وجلاله إذ
الفعل يدلّ على الفاعل فيدلّ عظمته على عظمته فينبغي أن يشهد في الفعل الفاعل دون
الفعل، فمن عرف الحقّ رآه في كلّ شيء إذ كلّ شيء منه وإليه وبه وله فهو الكلّ
على التحقيق) ([550])
وهكذا
فيما ورد في القرآن الكريم من أحوال الأنبياء عليهم السّلام؛ (فإذا سمع منها كيف
كذّبوا وضربوا وقتل بعضهم، فليفهم منه صفة استغناء الله تعالى عن الرسل والمرسل
إليهم وأنّه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في ملكه وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم
قدرة الله وإرادته لنصرة الحقّ.. وأمّا أحوال المكذّبين كعاد وثمود وما جرى عليهم
فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته، وليكن حظّه منه الاعتبار في نفسه
وأنّه إن غفل وأساء الأدب واغترّ بما أمهل فربما يدركه النقمة وتنفذ فيه القضيّة،
وكذلك إذا سمع وصف الجنّة والنّار وسائر ما في القرآن، فلا يمكن استقصاء ما يفهم
منه لأنّ ذلك لا نهاية له وإنّما لكلّ عبد منه بقدر رزقه) ([551])
ولذلك
كان الصالحون الذين قضوا حياتهم بصحبة القرآن الكريم يشيرون إلى عظم الحقائق التي
يذكرها، وكثرتها، ووفائها بكل الحاجات، وقد قال الإمام عليّ (لو شئت