اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 257
هذه
مجرد أمثلة أوردتها لك ـ أيها المريد الصادق ـ لتعلم ما في القرآن الكريم من
الخصائص والوظائف التي لا يمكن أن يستفيد منها من لم يعرفها؛ فلذلك احرص على صحبة
كل آية من آياته، وسورة من سوره، حتى تنال آثارها وثمارها جميعا.
وإن
أردت أن تعرف أسرار الفضائل الخاصة بها؛ فاعلم أن ذلك يعود لسببين، كلاهما تنزل من
أجله القرآن الكريم، أولهما: الحقائق.. وثانيهما القيم.
وبما
أن الفاتحة تشتمل على مجامع كليهما، فقد ورد فيها ذلك الفضل الخاص، واعتبرت أم
القرآن، وقد قال بعض الحكماء عنها: (إذا تفكرتَ وجدت الفاتحة على إيجازها مشتملةً
على ثمانية مناهج: فقوله تعالى: ﴿بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ﴾: نبأٌ
عن الذَّات.. وقولُهُ ﴿الرحمن الرَّحِيمِ﴾: نبأٌ عن صفة من صفات
خاصة، وخاصيتها أنها تستدعي سائر الصفات من العلم والقدرة وغيرهما ثم تتعلق
بالخلق، وهم المَرْحومُون، تعلُّقاً يُؤْنِسُهم به، ويُشَوِّقُهم إليه،
ويُرَغِّبُهم في طاعته، لا كوصف الغضب، لو ذكره بدلاً عن الرحمة فإن ذلك يُحزِنُ
ويخوِّف، ويقبض القلب ولا يشرحه.. وقولُهُ ﴿الحمد لله رَبِّ العالمين﴾:
يشتمل على شيئين: أحدهما: أصل الحمد وهو الشكر، وذلك أول الصراط المستقيم، وكأنه.
شَطْرُه، فإن الإيمانَ العملي نصفان: نصفٌ صبر، ونصفٌ شُكر، كما تعرف حقيقةَ ذلك..
والثاني: قوله تعالى ﴿رَبِّ العالمين﴾ إشارة إلى الأفعال كلها،
وإضافتُها إليه بأُوْجَزِ لفظٍ وأَتَمِّهِ إحاطةً بأصنافِ الأفعالِ لفظُ ربِّ
العالمين.. وقولُهُ ثانياً: ﴿الرحمن الرَّحِيمِ﴾ إشارة إلى الصفة
مرة أخرى، ولا تظنّ أنه مكرر، فلا تَكَرُّرَ في القرآن، إذ حَدُّ المُكَرَّر ما لا
ينطوي على مزيدِ فائدة؛ وذِكرُ الرحمة بعد ذِكرِ العالَمين وقبلَ ذكر مالك يوم
الدين ينطوي على فائدتين عَظيمَتَيْن في تفضيل مجاري الرحمة: إحداهما: تلتفت إلى
خَلْقِ ربِّ العالمين: فإنه خَلَقَ كلَّ واحد منهم على أكمل أنواعهِ وأفضَلِها.. وثانيها:
تعلُّقُها بقوله ﴿مالك يَوْمِ الدين﴾: فيشيرُ إلى الرحمة
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 257