اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 246
ما
فيه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود، ثمّ يتأمّل تقصيره في أوامره وزواجره
فيحزن له لا محالة ويبكي فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية
فليبك على فقد الحزن والبكاء، فإنّ ذلك أعظم المصائب) ([489])
وإياك ـ أيها المريد الصادق ـ أن تتجاوز البكاء والحزن إلى تكلف
الصعق والغشية، فقد ورد النهي عنه، فقد قيل للإمام الباقر: (إنّ قوماً إذا ذُكّروا بشيءٍ من
القرآن، أو حُدِّثوا به صُعق أحدهم، حتّى يرى أنه لو قطّعت يداه ورجلاه لم يشعر
بذلك)، فقال: (سبحان الله.. ذاك من الشيطان، ما بهذا أُمروا، إنّما هو اللّين
والرقة والدَّمعة والوجل)([490])
واجتهد
ـ
أيها المريد الصادق ـ بعد هذا أن يحضر عقلك مع كل آية تقرؤها، فلا تغفل عنه، ولا
يشرد ذهنك إلى غيره، فهذا هو أول القوة التي أمر الله تعالى بها، فقال: ﴿يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ
بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: 12]، فيحي ليس ذلك النبي الكريم فقط، بل كلنا ينبغي أن يكون يحي،
حتى نحيا بالقرآن.. فهو لا يحيي إلا ما يلامسه.
وقد
روي أنه قيل لبعض الصالحين: إذا قرأت القرآن تحدّث نفسك بشيء؟ فقال: (أو شيء
أحبّ إليّ من القرآن أحدّث به نفسي؟)، وكان آخر إذا قرأ سورة لم يكن قلبه فيها
أعادها ثانية([491]).
واحذر
ـ أيها المريد الصادق ـ بعد هذا أن تكون ممن قال فيهم رسول الله a: (ما آمن بالقرآن من استحل
محارمه)([492])
وقال:
(يؤتى برجل يوم القيامة ويمثل له القرآن، قد كان يضيع فرائضه ويتعدى
[489] المحجة البيضاء
في تهذيب الإحياء، ج2، ص: 226