اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 242
وخضوعك وتفهمك وتدبرك وترقيك من خلاله.
الحق الباطن:
أما
الحق الباطن ـ أيها المريد الصادق ـ فيبدأ من تعظيمك للقرآن الكريم، ذلك أن تدبرك
له، واستفادتك منه، لا تكون إلا بمقدار ذلك التعظيم، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك،
فقال: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ
خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: 21]
وقد
عبر بعض الحكماء عن لطف الله تعالى بعباده في إيصال معاني كلامه لهم بطريقة تتناسب
مع قصورهم وحاجتهم، وذلك في جواب له لبعض من سأله، فقال: أ رأيت ما يأتي به الأنبياء
إذا ادّعيت أنّه ليس بكلام الناس وأنّه كلام الله تعالى فكيف يطيق الناس حمله؟
فقال الحكيم: (إنّا رأينا الناس لمّا أرادوا أن يفهموا بعض الدوابّ والطير ما
يريدون من تقديمها وتأخيرها وإقبالها وإدبارها ورأوا الدوابّ يقصر تمييزها عن فهم
كلامهم الصادر عن أنواع عقلهم مع حسنه وترتيبه وبديع نظمه، فنزلوا إلى درجة تمييز
البهائم وأوصلوا مقاصدهم إلى بواطن البهائم بأصوات يضعونها لائقة بهم من النقر
والصفير والأصوات القريبة من أصواتهم الّتي يطيقون حملها، وكذلك الناس يعجزون عن
حمل كلام الله بكنهه وكمال صفاته، فصاروا بما تراجعوا بينهم من الأصوات الّتي
سمعوا بها الحكمة كصوت النقر والصفير الّذي سمعت به الدوابّ من الناس ولم يمنع ذلك
معاني الحكمة المخبوّة في تلك الصفات من أن يشرّف الكلام أي الأصوات لشرفها ويعظّم
لتعظيمها، فكان الصوت للحكمة جسدا ومسكنا والحكمة للصوت نفسا وروحا، فكما أنّ
أجساد البشر تكرم وتعزّ لمكان الرّوح فكذلك أصوات الكلام تشرّف للحكمة الّتي فيها
والكلام عالي المنزلة، رفيع الدرجة، قاهر السلطان نافذ الحكم في الحقّ والباطل،
وهو
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 242