اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 211
التعرض للنفحات
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن معنى التعرض للنفحات الذي وردت
الإشارة إليه في الحديث الذي يقول: (إن لله في أيام دهركم نفحات ألا فترصدوا لها) ([376])،
وكيف يكون ذلك التعرض، وما هي محاله ومواقيته؟
وجوابا
على سؤالك الوجيه أذكر لك أن هذا الحديث ـ صح أو لم يصح ـ أصل من أصول السير إلى
الله، ذلك أن كل النصوص المقدسة تدل عليه، وكل السالكين في طريق التزكية والترقية
حثوا عليه وعلى معناه.
فقوله
تعالى في سورة القدر: ﴿إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى
مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: 1 - 5]، يدل على أن تلك الليلة المباركة تتشرف بمضاعفة أعمال
العاملين فيها، وأن ذلك بسبب تنزلات خاصة من الملائكة عليهم السلام، وأنه يحصل
فيها من الخير ما لا يحصل في غيرها.
وكل
ذلك يجعل السالكين إلى الله مثل أولئك الذين يسمعون بأن هناك مواعيد تُخفض فيها
الأسعار، أو توضع فيها التحفيزات المشجعة على الشراء؛ فلذلك قد يؤجلون شراء بعض
احتياجاتهم لتلك الأيام، حرصا عليها، وعلى النفحات الخاصة بها.
وهكذا
السائرون في طريق الله يبحثون عن كل مناسبة تتحقق فيها أمثال تلك النفحات الإلهية،
والتي لا تتعلق بالأجور فقط، وإنما تتعلق بالفتوح أيضا؛ فقد يفتح الله على من صدق
في التعرض لها بأنواع من الفتح لم يكن ليصل إليها بجهده وكسبه لمدد طويلة.