ثم
ذكر أن العبادة قسمان: قسم إيجابي، وقسم سلبي.. أما الأول فهو تلك الشعائر
التعبدية المعروفة، وأما الثاني، (فإن البلايا والضر والأمراض تجعل صاحبَها يشعر
بعَجزه وضَعفه، فيلتجئ إلى ربه الرحيم، ويتوجّه إليه ويلوذ به، فيؤدي بهذا عبادة
خالصة.. هذه العبادة خالصةٌ زكيّةٌ لا يدخل فيها الرياءُ قط.. فإذا ما تجمّل
المصابُ بالصبر وفكّر في ثواب ضرّه عند الله وجميلِ أجره عنده، وشكَر ربَّه عليها،
تحولت عندئذ كلُّ ساعة من ساعات عمره كأنها يومٌ من العبادة، فيغدو عمرُه القصير
جداً مديداً طويلاً، بل تتحول عند بعضهم كلُّ دقيقة من دقائق عمره بمثابة يوم من
العبادة)
ثم
ذكر حاله مع بعض أصحابه، فقال: (لقد كنتُ أقلق كثيراً على ما أصاب أحد إخوتي في
الآخرة وهو (الحافظ احمد المهاجر) بمرض خطير، فخطر إلى القلب ما يأتي: (بشّره،
هنّئه، فإن كلَّ دقيقة من دقائق عمره تمضي كأنها يومٌ من العبادة) ([335])
ومما يروى في هذا المعنى أن بعضهم كان يطوف حول الكعبة، ويقول:
مؤتزر بشملتي كما ترى
***
***
وصــــبيــة باكيــة كما تــــرى
وامرأتي عريانة كما ترى
***
***
يا من يرى الذي بنا ولا يرى
أما ترى ما حل أما ترى
فسمعه
بعضهم، فجمع له كسرا ودفعها إليه، فقال له: إليك عني لو كان معي شيء لما أمكنني
أن أقول هذا القول.
ولهذا
يعتبر الصالحون الفاقات أعيادا لهم، وقد قال بعضهم في ذلك: