اسم الکتاب : الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 304
الطعام موت الشهوات، ومن قلة المنام صفو الإرادات، ومن قلة الكلام السلامة
من الآفات، ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات، وليس على العبد شيء أشد من الحلم
عند الجفاء والصبر على الأذى، وإذا تحركت من النفس إرادة الشهوات والآثام وهاجت
منها حلاوة فضول الكلام جردت عليها سيوف قلة الطعام من غمد التهجد وقلة المنام،
وضربتها بأيدي الخمول وقلة الكلام حتى تنقطع عن الظلم والانتقام، فتأمن من بوائقها
من بـين سائر الأنام وتصفيها من ظلمة شهواتها فتنجو من غوائل آفاتها؛ فتصير عند
ذلك نظيفة ونورية خفيفة روحانية فتجول في ميدان الخيرات وتسير في مسالك الطاعات
كالفرس الفارة في الميدان وكالملك المتنزه في البستان)
وقد يقال هنا: لقد وردت النصوص الكثيرة بإباحة الطيبات، والشهوات، فكيف يقال
بتركها ومجاهدة النفس في مخالفتها، وما علاقة ذلك بالسلوك الأخلاقي؟
والجواب عن هذا: أن الطيبات تظل مباحة لا يحرمها أحد، وكيف يجسر أحد على
تحريم ما أحل الله ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ
لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (لأعراف:32)
ولكن الذي أباح هذه الطيبات هو الذي نهى عن الانشغال بها عن الله، وعن تكميل
النفس، وقد قال تعالى لرسوله a: ﴿
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ (الكهف:28)، وقال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ
ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ (الكهف:46)
زيادة على ذلك، فإن من لم يجرب نفسه في إمساكها عن المباح، ما الذي يضمن
اسم الکتاب : الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 304