اسم الکتاب : الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 137
وبعد الفراغ من العمل، يحتاج المطيع إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للسمعة
والرياء والصبر عن النظر إليه بعين العجب وعن كل ما يبطل عمله ويحبط أثره كما قال
تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ
وَالْأَذَى﴾ (البقرة:264)، فمن لم يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى فقد أبطل
عمله، ولهذا قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد:33)
ومثل حاجة الطاعات إلى الصبر وافتقارها إليه وكونه ركنا من أركانها، فإن
المعاصي كذلك تفتقر إلى الصبر، بل إن أشد أنواع الصبر ـ كما يذكر الغزالي ـ هي
الصبر عن المعاصي التي صارت مألوفة بالعادة (فإن العادة طبـيعة خامسة، فإذا انضافت
العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند الله تعالى فلا يقوى باعث
الدين على قمعها)[1]
والصبر ـ زيادة على هذا التأثير السلوكي ـ هو العلاج الرباني لكل ما يهجم
على الإنسان من صروف البلاء التي هي من ضرورات تكليفه واختباره لتمحيص معدنه:
فهو العلاج الذي يواجه به أذى الخلق، وهو ما نص عليه قوله تعالى في جواب المؤمنين
لمن آذاهم: ﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (ابراهيم:12)، وهو توجيه الله لرسول
الله a وللثلة المؤمنة في
الوقت الذي اجتمعت عليهم صنوف الأعداء، كما قال تعالى: ﴿ وَلا تُطِعِ
الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾ (الأحزاب:48)، وقال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ
عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾ (المزمل:10)، وقال
تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ (الحجر:97 ـ 98)،
فأرشد