وهكذا في سائر المؤسسات، فالمعلم المدخن يعطي قدوة سيئة
لتلاميذه، وسوف تحرق كل معلوماته عن التدخين، بمجرد سيجارة واحدة يشعلها.
ذلك أن الصبي ينظر إلى الأفعال قبل أن يسمع للأقوال،
فلذلك كان مجرد السلوك الحسن كافيا في أكثر الأحيان عن المبالغة في المواعظ والزجر
ونحوها من الأساليب:
(فإذا أردنا أن نغرس الصدق، فإن علينا أن نكون أولا
صادقين.
وإذا أردنا أن نغرس الأمانة في نفوس أبنائنا، فعلينا
أن نكون أمناء في أنفسنا وسلوكنا.
وإذا أردنا أن نغرس في نفوس أبنائنا حسن الخلق،
فعلينا أن نري أبناءنا في كلامنا ومواقفنا، وغضبنا ورضانا: حسن الخلق، وضبط
اللسان، وعفة القول، والبعد عن البذاءة أو الفحش)
بل إن التناقض السلوكي الذي يعيشه الآباء هو الذي
ينحرف بسلوك الأبناء، بل يضعهم في شتات نفسي محير لا يتمكنون معه من الاستفادة من
نصح ولا الاتعاظ بموعظة.
ويخطئ كثير من المربين عندما يظنون أن الأبناء أصغر
من أن يلاحظوا سلوكهم، أو ينتبهوا لتصرفاتهم، فلذلك يطلقون لأنفسهم العنان يتصرفون
كما تملي أهواؤهم لا كما ينبغي أن يراهم النشء.
[1]
ولو قارنا هذا السلوك الإعلامي المعاصر ومثله سلوك المجتمع في رفع الرعاع
والمنحرفين واعتبارهم قمما يهفو الصبية لتقليدها ومحاكاتها والحصول على مستقبلها
مع سلوك السلف الصالح - رضي الله عنهم - من رفع مكانة العلماء والصالحين نعرف
السبب في التفاوت الكبير بين نشء السلف ونشئنا، فهذا عبد الله بن عون وهو من
أعلام السلف، رفعه المجتمع فهفت النفوس الناس لمحاكاته، عن معاذ قال: حدثني غير
واحد من أصحاب يونس بن عبيد أنه قال :« إني لأعرف رجلاً منذ عشرين سنة يتمنى أن
يسلَمَ له يوم من أيام ابن عون، فما يقدر عليه »، وورد مثل ذلك عن كثير من السلف
في محاولتهم التأسي بحال ابن عون.
وقال يونس بن عبيد :« كان الرجل إذا
نظر إلى الحسن انتفع به وإن لم يرَ عمله ولم يسمع كلامه »
وعن الصَّلت بن بسطام التيمي قال:
قال لي أبي: الزم عبد الملك بن أبجر فتعلَّمْ من تَوَقِّيهِ في الكلام ؛ فما أعلم
بالكوفة أشد تحفظاً للسانه منه ».
اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 95