اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 63
عكسية، تزيد الطين بلة.
وقد قام الغزالي بتحليل نفسي رائع لنفسيات المتحاورين
التي لم تتأدب بآداب الشرع، فذكر الآفات النفسية الكثيرة التي تسببها المناظرات
العلمية ـ والتي هي نوع من أنواع الحوار ـ، ويعتبرها منبع جميع الأخلاق المذمومة، بل
يقيسها على كبائر الفواحش الظاهرة، باعتبارها لا تختلف عنها، يقول الغزالي في فصل
عقده بعنوان (بيان آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق):(اعلم وتحقق
أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدّق عند
الناس، وقصد المباهاة والمماراة واستمالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق
المذمومة عند الله المحمودة عند عدوّ الله إبليس)[1]
ويفرع عن هذه الخصال خصالا أخرى كثيرة، قال الغزالي:(ثم
يتشعب من كل واحدة من هذه الخصال العشر عشر أخرى من الرذائل لم نطول بذكرها وتفصيل
آحادها مثل: الأنفة، والغضب، والبغضاء، والطمع، وحب طلب المال، والجاه للتمكن من
الغلبة، والمباهاة، والأشر، والبطر، وتعظيم الأغنياء والسلاطين والتردد إليهم
والأخذ من حرامهم، والتجمل بالخيول والمراكب والثياب المحظورة، والاستحقار للناس
بالفخر والخيلاء، والخوض فيما لا يعني، وكثرة الكلام، وخروج الخشية والخوف والرحمة
من القلب، واستيلاء الغفلة عليه لا يدري المصلي منهم في صلاته ما صلى وما الذي
يقرأ ومن الذي يناجيه؟ ولا يحس بالخشوع من قلبه مع استغراق العمر في العلوم التي
تعين في المناظرة مع أنها لا تنفع في الآخرة: من تحسين العبارة وتسجيع اللفظ وحفظ
النوادر إلى غير ذلك من أمور لا تحصى. والمناظرون يتفاوتون فيها على حسب درجاتهم
ولهم