ويمكن أن نعتمد كذلك من الأدلة في هذا الباب قوله تعالى
حاكيا عن الحوار الذي جرى بين إبراهيم u وأبيه، قال تعالى:﴿ وَاذْكُرْ
فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً إِذْ قَالَ
لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا
يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ
يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ
الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً يَا أَبَتِ إِنِّي
أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ
لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ
لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاًوَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً﴾
(مريم:41 ـ 48)، فهذا أنموذج رائع للحوار بين الابن وأبيه، نحسب أن الغاية من
إيراده في القرآن الكريم لا تنحصر فيما فيه من المعاني المقررة في مواضع كثييرة من
القرآن الكريم، وبأساليب مختلفة، وإنما الغرض منه هو التأسي بإبراهيم u في
هذا الباب كالتأسي به في غيره سواء بسواء، قال تعالى:﴿ وَمَنْ
يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ
اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾
(البقرة:130)
انطلاقا من هذين النموذجين في الحوار بين الآباء
وأبنائهم، وانطلاقا مما ورد في النصوص من الحوار نحاول في هذا الفصل أن نستنبط
الضوابط الشرعية التي تجعل من الحوار أسلوبا مثمرا في التربية.
اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 61