اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 40
هذه الصورة هي أن المظلمة أو الخطيئة أو الطاعة لو كانت
مثقال حبة خردل، وكانت مخفية في السماوات أو في الأرض، فإن الله يحضرها يوم
القيامة حين يضع الموازين القسط، ويجازي عليها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، حتى لو
كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء[1]، أو
ذاهبة في أرجاء السماوات والأرض، فإن اللّه يأتي بها لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا
يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولهذا ختم الآية بقوله تعالى:﴿
إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ أي لطيف العلم فلا تخفى عليه الأشياء، وإن
دقّت ولطفت وتضاءلت، خبير لا تعزب عنه الأخبار الباطنة فلا يجري في الملك والملكوت
شيء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها[2].
وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعنى بغير هذه الصيغة
كقوله تعالى:﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ
أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (الانبياء:47)
ولكن للصيغة التي ذكرها لقمان u، وفي
المحل الذي ذكرها فيه تأثيرها الخاص، وهي تتناسب مع ما ذكرنا من ميل الإنسان بطبعه
ـ وخاصة الصغار ـ إلى توظيف الخيال في توضيح الحقائق.
وقد استعمل القرآن الكريم لهذا السبب المثال في مواضع
كثيرة، بل ورد في الحديث اعتبار الأمثال قسما من أقسام القرآن الكريم، ففي الحديث قال:
قال رسول الله a
[1]
وقد زعم بعضهم أن المراد بالصخرة هنا أنها صخرة تحت الأرضين السبع، وهذا من تحريف
المعنى القرآني الناشئ من تكلف البحث عن التفصيل كما ذكرنا سابقا، لأن المراد أن
هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة فإن اللّه سيبديها ويظهرها بلطيف عمله،
كما قال رسول اللّه a
:« لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، لخرج عمله للناس كائناً ما
كان » أخرجه أحمد عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.
[2]
وهو بمعنى العليم ولكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خبرة ويسمى صاحبها
خبيرالمقصد الأسنى.
اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 40