اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 18
ولم يكتف بذلك، بل أضاف إلى هذا الحكم ما يقنع العقل
بمخاطره، لتنفر النفس من هذه الأمور شرعا وعقلا، قال تعالى:﴿ إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ (المائدة:91)
وهكذا يمكن للمربي لتنفير الأولاد من الدخان ـ مثلا ـ
باعتباره من الظواهر الشائعة ـ أن يذكر الحكم الشرعي ـ الذي تدعمه التربية
الإيمانية، والذي يشكل وحده القناعة الكافية للمؤمن ـ ويضيف إليه بيان المخاطر
الصحية له.
وهكذا في كل المحرمات، وهذا الأسلوب هو الذي استخدمه
لقمان u في موعظته لابنه، فقد شبه له رفع الصوت في
غير محله بصوت الحمير، قال تعالى:﴿ وَاغْضُضْ
مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (لقمان:19)؛ أي
لا تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه؛ فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي، وهو
يشبه في ذلك صوت الحمير[1].
وهذا الأسلوب هو الذي استخدمه رسول الله a مع ذلك
الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا بكل جرأة وصراحة، فهمَّ الصحابة أن يوقعوا به ؛
فنهاهم وأدناه وقال له:(أترضاه لأمك ؟!)، قال: لا، قال رسول الله a:(فإن
الناس لا يرضونه لأمهاتهم)، قال:(أترضاه لأختك ؟!)، قال: لا، قال:(فإن الناس لا
يرضونه لأخواتهم)[2]، وهكذا
[1]
والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة، وكذلك نهاقه؛ ومن استفحاشهم لذكره مجردا
أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح فيقولون: الطويل الأذنين؛ كما يكنى عن الأشياء
المستقذرة. وقد عد في مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي
المروءة، ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافا وإن بلغت منه الرجلة. ولا نرى أن
هذا من مساوئ الآداب ولا من المروءة في شيء، بل إن الله تعالى من علينا به، فقال تعالى
:) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ
وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ((النحل:8)،
وكان a وهو أشرف الخلق يركبه.