وقد اختار القول بهذا النحاة العالمون بأسرار التعابير
القرآنية، قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله:﴿
وَهَمَّ بِهَا ﴾الآية، قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير؛ كأنه أراد:
ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها.
هذا ما يمكن أن يدل عليه النص مع التسليم التام لله تعالى
في حقيقة معناه وعزل العقل والأساطير عن الكلام في كلام الله بغير علم.
ولكن كتب التفسير والتاريخ وقص الأنبياء لا يرضيها هذا
الإيجاز مع ما يحمله من المعاني السامية، بل ترى الأساطير هي السبيل الوحيد لتفسير
النص القرآني أو بالأحرى تحريفه.
وسنورد هنا بعض ما ذكره المفسرون[2]، أو
يكادون يجمعون عليه، للدلالة على خطورة هذه الروايات على المعاني القرآنية:
فمما ورد من ذلك أن همه كان معصية، وأنه جلس منها مجلس
الرجل من امرأته، قال القرطبي:(وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم، فيما
ذكر القشيري أبو نصر، وابن الأنباري والنحاس والماوردي وغيرهم)
ويروون لتأييد ذلك الروايات الكثيرة عن السلف الصالح ،
فيروون عن ابن عباس قوله:(حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن)، وعنه:(استلقت، على
قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه)، وعن سعيد بن جبير:(أطلق تكة سراويله)، وعن
مجاهد:(حل
[1]
ولهذا يستحب أن يوقف عند )ولقد همت به ﴾
ويبتدئ ) وهم
بها ﴾ على أن المعنى لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فقدم جواب لولا ويكون
همه منتفيا، انظر: الإتقان:232.
[2]
انظر التفاسير التالية، والتي نستغني بذكرها هنا عن إيراد تفاصيل التوثيقات:
القرطبي: 9/166، البيضاوي: 3/282، الطبري: 12/183، الدر المنثور: 4/521، الألوسي:
3/411، الثعالبي: 2/232، وغيرها.
اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 14