ولكن السلوك المتوازن يستدعي علما صحيحا، لأن السبب
الرئيسي للتطرف هو الإخلاص الذي لم ينضبط بضوابط العلم.
ويكفي في تحقيق ذلك تتبع هديه a في كل
سلوكياته، فهو الكفيل بالتربية المتوازنة المعتدلة، وقد ذكر ابن القيم التوازن
الذي كان عليه a، والذي جعل كل طائفة من الطوائف تأخذ ببعض
من هديه وتنسبه إليها، فقال ـ جامعا بين احتجاج طائفة بسيرته وسنته a على
فضل الفقير الصابر، واحتجاج معارضيهم بهما أيضا على فضل الغني الشاكر ـ:(وما ينبغي
أن يعلم أن كل خصلة من خصال الفضل قد أحل الله رسوله r في
أعلاها، وخصه بذروه سنامها، فإذا احتجت بحاله فرقة من فرق الأمة التي تعرف تلك
الخصال وتقاسمتها على فضلها على غيرها، أمكن للفرقة الأخرى أن تحتج به على فضلها
أيضا)[1]
ثم ذكر نماذج كثيرة عن هذا لا بأس من ذكرها هنا، لأن
قدوة المربي هو شخصه a وهديه الرفيع، قال: فإذا احتج به الغزاة
والمجاهدون على أنهم أفضل الطوائف، احتج به العلماء على مثل ما احتج به أولئك.
وإذا احتج به الزهاد والمتخلفون عن الدنيا على فضلهم،
احتج به الداخلون في الدنيا والولاية، وسياسة الرعية، لإقامة دين الله، وتنفيذ
أمره.
وإذا احتج به الفقير الصابر، احتج به الغني الشاكر.
وإذا احتج به أهل العبادة على فضل نوافل العبادة
وترجيحها، احتج به العارفون