اسم الکتاب : رسالة إلى الإمام علي المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 50
لقد توفرت لك
ـ سيدي ـ فرص كثيرة لتقضي على ألد أعدائك، لكنك لم تفعل.. لا حبا لهم، ولا حرصا
عليهم، وإنما حرصا على أخلاقك ومبادئك وقيمك.. لقد ذكر المؤرخون أنه بعد أن كثر
القتل والقتال في صفّين علوت فوق التل، وناديت بأعلى صوتك: (يا معاوية.. علام
يقتتل الناس؟ ابرز إليّ ودع الناس فيكون الأمر لمن غلب).. وكررت ذلك مرارا، فهاب
معاوية منك.. وكيف لا يهاب، وهو يعلم ما فعل سيفك بأبطال العرب.. حينها خرج عمرو
إليك..ولم يطل الأمر بسيفك حتى طعنه فصرعه، وحينها أدرك عمرو أنه لن يستطيع
مواجهتك.. فراح يستغل تقواك وعفتك وحياءك.. فكشف عن عورته.. حينها لم تملك إلا أن
تصرف وجهك عنه.. وتتركه يعود من حيث أتى.
أذكر جيدا أن
بعضهم عاتبك حينها، وقال: (أفلت الرجل يا أمير المؤمنين)، فقلت: (تلقّاني بعورته، فصرفت وجهي عنه) [1]
ولم تكن
تكتفي بذلك لنفسك، بل كنت تكتب إلى عمالك قائلا: (فلا تغدرنّ بذمّتك، ولا تخيّسن بعهدك، ولا تختّلن
عدوّك، فإنه لا يجترىء على الله إلّا جاهل شقي، وقد جعل الله عهده وذمّته أمنا أفضاه بين
العباد برحمته، وحريما يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره فلا ادغال، ولا
مدالسة، ولا خداع فيه، ولا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق، فإن
صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه، وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وإن تحيط بك
من الله فيه
طلبه)[2]
[1]
لفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص70 ، وعلي وعصره: ج 4، ص 258، وقد روي أن عمرا
حدث معاوية بما وقع له مع الإمام، فقال له معاوية: (احمد اللّه، وعورتك)، ثم قال
شعرا يزري بعمرو، فقال عمرو: (ما أشدّ تعظيمك عليا في أمري هذا. وهل هو إلّا رجل
لقيه ابن عمه فصرعه! فترى أن السماء قاطرة لذلك دما)؟. قال معاوية: (لا.. ولكنّها
معقبة لك خزيا)