بعد
أن عرفت كل هذا وغيره مما يعجز اللسان عن وصفه، عرفت عظم الكيد الذي كادك به
المحرفون المدلسون الذين راحوا يتهمونك بأنك قلت: (اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد
سببته أو جلدته أو دعوت عليه، وليس لذلك أهلا، فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها
عندك يوم القيامة)[2]
ولم
يكن قصدهم من هذا الحديث الذي كذبوه عليك إلا تبرئة أولئك الطلقاء من أصحاب الملك
العضوض الذين حذرت منهم، ونبهت الأمة إلى خطرهم.. وبدل أن يأخذوا أحاديثك عنهم
مأخذ الجد، ويعملوا بها، راحوا يتهمونك بأنك لم تقلها إلا في حالة غضب.. وأنك في
تلك الحال لم تكن واعيا لما تقول.
ولو
أن أولئك الذين قبلوا هذا الحديث، واتهموك بأنك تسب وتلعن من لا يستحق السباب
واللعنة، عرفوك، وعرفوا صفحك الجميل، وخلقك الرفيع، وأنك أكبر من أن تصيبك نزوات
الغضب التي تصيب من استحوذت عليهم نفوسهم وشياطينهم.. لعلموا أنه يستحيل عليك أن
تقول ذلك.
وكيف
تقوله، وأنت نفسك قد حدثتهم.. وهم رووا عنك قولك لبعض أصحابك عندما قال لك: (يا
رسول الله، أكتب ما أسمع منك؟)، فقلت له: (نعم)، فقال: (في الرضا والسخط؟)، فقلت:
(نعم، فإنه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلا حقا) [3]
بل
إنهم لو عرضوا ذلك الحديث على القرآن الكريم، وسمعوا منه قوله تعالى في