وأمر
فوق ذلك كله بتعظيمك وتوقيرك وبرك، فقال مخاطبا لك: ﴿
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 8، 9]
ونهى
عن كل أشكال الإذية لك، وتوعد من يفعل ذلك باللعنة، فقال: ﴿إنَّ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾
[الأحزاب: 57]
وكل
هذا ـ سيدي ـ ليتحقق الابتلاء بك للخلق، ليتميز الصادقين الذي يرتضون اصطفاء الله
لك، ويسلمون له، والذين يستكبرون، ويفعلون مثلما فعل إبليس عندما أبى السجود لآدم،
فنزلت عليه اللعنات.. ذلك أنه آمن بالله، ولكنه ـ لسوء طالعه ـ راح يناقش الله
فيما لا مجال له فيه.. ولم يعلم أن الله:﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ﴾ (القصص:68)
ولو
أنه نظر إلى هذا الكون الواسع بعين الحكمة والبصيرة، لرأى كيف ميز الله بعض خلقه عن
بعض وفق عدله وحكمته ورحمته وعلمه بخلقه.. فلذلك جعل منهم من يستحقون رئاسة معينة
على سائر البشر، لأنهم في جسم الإنسانية كالدماغ والقلب في جسم الإنسان.
ولو
أنه نظر بعين العدالة الإلهية، لعلم أن هؤلاء المختارين لم يختاروا جزافا، وإنما
بناء على مقتضيات العدالة الإلهية التي وضعتهم في كير الاختبار، فنجحوا فيه، كما
قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]
ولذلك
رد الله تعالى على أولئك المشاغبين المجادلين الذين يتوهمون أن تكريم
اسم الکتاب : رسائل إلى رسول الله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 229