اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 67
ويعتبرون عدم القدرة على إثبات ذلك عجزا،
ويستنتجون من عدم القدرة على الإثبات عدم الثبوت.
ولو أن البشر استطاعوا تحقيق ذلك، ووصلوا
بمداركهم الحسية إلى معرفة أسرار الحياة بعد الموت، لما بقي هناك معنى للتكليف
والاختبار.. ذلك أن الاختبار منوط بالإيمان بالغيب، كما قال تعالى: ﴿لِيَعْلَمَ
الله مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [المائدة: 94]، وقال: ﴿الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾
[الأنبياء: 49]
ولذلك، فإن ذلك العقل الساذج الذي يطالب
بالدليل الحسي لا يختلف عن عقل ذلك البدوي في الجاهلية الذي طالب رسول الله a
بهذه المطالب التي ذكرها الله تعالى محتقرا الطريقة التي يفكر بها أصحابها، فقال: ﴿وَقَالُوا
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ
تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا
تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ
تَأْتِيَ بِالله وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ
زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ
عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا
رَسُولًا﴾ [الإسراء: 90 - 93]
وعدم إدراك المدارك الحسية لحقيقة الحياة بعد
الموت، لا يعني كون المسألة غير علمية، فنتائج العلم أكبر من أن تحصر في المدارك
الحسية، بل إن العقل يستعمل وسائل أخرى للوصول إلى الحقائق.
والعلماء أنفسهم يذكرون أن مجال العلم محدود
جدا، فهو مرتبط بالمدارك والوسائل، فإذا انعدمت المدارك والوسائل توقف العلم، نفيا
وإثباتا.
فلا يستطيع الطبيب الذي لم تتوفر لديه نتائج
التحاليل، ولا التصوير الإشعاعي، ولا غيرها من وسائل التشخيص أن يعرف المرض، ولا
أن يعالجه، بل يظل محتارا في تلك الاحتمالات الكثيرة، التي وإن أطاق أن يلغي بعضها
ببعض الخبرة إلا أنه لا يطيق أن يلغي أكثرها.
وهكذا لولا اختراع المراصد والمجاهر والوسائل
المختلفة لما استطعنا أن نكتشف أجزاء كبيرة من الكون كانت غير معروفة للأجيال
السابقة، وعذرها ليس في كونها غير موجودة في عهودها، وإنما في عدم إدراكها.
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 67