اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 57
ولعل
من أكبر أنواع هذه البراهين اتفاق أكثر الفلاسفة على استمرارية الحياة بعد الموت،
وإن اختلفوا في العلة التي تعود إليها تلك الاستمرارية، أو كيفيتها، ولا يهمنا ذلك
هنا، لأن الهدف هو إثبات القضية، لا إثبات كيفيتها، ولا مصدرها، فذلك شأن آخر.
ولا
نستطيع أن نورد هنا كل ما ذكره الفلاسفة اليونانيين أو غيرهم، لكثرته، ولذلك نكتفي
باقتباس بعض ما ذكره عالم وفيلسوف يمكن اعتباره من كبار المؤرخين والمحققين في
الفلسفة والعلوم المرتبطة بها، وهو الأستاذ الكبير المعاصر [يحي محمد] الذي نص على
إجماع الفلاسفة القدامى على ما ذكرنا، فقد قال: (يجمع الفلاسفة على أن النفس لها أصل
إلهي سابق على البدن، وهم من هذا المنطلق اعتقدوا بضرورة مفارقتها له بعد اكتمال
مهمتها من بلوغ الحد الذي يجعلها قابلة للانفصال عنه كلياً. مما يعني أن النفس لا
بد لها أن تعود إلى عالمها الالهي الذي تنزلت منه. أي فكما أن هناك تنزلاً، فهناك
عود وصعود)[1]
وهو
يذكر نوعين من الخلاف الذي أدى إليه النظر الفلسفي المجرد في المسألة:
أولهما
ـ الخلاف في النفس التي يستمر وجودها بناء على المفاهيم الفلسفية المرتبطة بحقيقة
الإنسان، حيث (يؤكد الفلاسفة بأن النفس التي تفارق البدن هي تلك التي تتصف بالتجرد،
وتكون موضعاً للعلم العقلي، فهم يتفقون ـ كما ينقل ابن رشد ـ على أن النفس
المخالطة للهيولى، والتي توصف بأنها مخلّقة لانواع الاجسام والابدان الارضية
ومصورة لها، تعود الى مادتها الـروحانية الإلـهية، أما النفس التي لا تخالط
الهيولى والتي ليس لها علاقة بتخليق البدن وتصويره، فان الفلاسفة يختلفون في حدود
ما هو قابل للتجرد والرجوع الى الأصل الإلهي. فعند ارسطو أن جميع قوى النفس تبطل
سوى العقل المكتسب المسمى بالعقل
[1]
انظر: الفلسفة والعرفان والإشكاليات الدينية: دراسة معرفية تعنى بتحليل نظام
الفلسفة والعرفان وفهمه للإشكاليات الدينية، يحيى محمد، ص146.
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 57