وهكذا
ورد في سورة الرحمن، قال تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا
أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ
تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ
كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53)
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ
دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ
الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ
(58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ
إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾
[الرحمن: 46 - 61]، ويدل على هذا أن الله تعالى قال بعد ذكره لهذا النعيم: ﴿وَمِنْ
دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: 62]، أي تحتهما في الفضل، وهذا يدل على أن
الجنة الأولى هي جنة المقربين.
وغيرها
من الآيات الكريمة التي نجد عند التدبر فيها الكثير من الفروق بين أنواع النعيم
الحسي المرتبطة بأصحاب اليمين، وهؤلاء المقربين.. وهي فروق لا ترتبط فقط باللذات
الحسية، وإنما بما تختزن من لذات معنوية أشرف وأعظم.. وقد ذكرنا سابقا امتزاج
النعيم الحسي في الجنة بالنعيم المعنوي.. فكلاهما يهدفان إلى التعريف بالله،
والتواصل معه.
وهكذا
الأمر في الدنيا عند هؤلاء المقربين؛ فهم في تناولهم للذات الحسية، لا يغفلون عن
الله، بل يجعلون من تلك اللذات معارج روحية توصلهم بالله، ولا تحجبهم عنه، كما قال
تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا
هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 560