اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 528
وبذلك فإن المغضوب عليه هو ذلك الذي طبع على
قلبه؛ فصار لا يفرق بين المعروف والمنكر، أو صير المعروف منكرا، والمنكر معروفا،
ولم يكتف بذلك، بل راح ينشر تلك الانتكاسة التي وقع فيها على غيره، ويقوم بالدور
المعاكس لدور الهداة إلى الله، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ
إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي
آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا
جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ
الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ
يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأنعام: 25، 26]
فهاتان الآيتان الكريمتان تذكران ذلك التدرج
الذي ينتقل فيه الضال من مرحلة الضلال إلى مرحلة الغضب الإلهي، ويبدأ الضلال بالإعراض
عن السماع للرسل، ثم يتدرج إلى أن يصل إلى محاربتهم.
بناء على هذا، نذكر هنا الجزاء المرتبط
بالمغضوب عليهم والضالين، وعلاقته بالأعمال والملكات التي تشكلت منها نفوسهم في
دار الاختبار والابتلاء.
أ ـ مرتبة
المغضوب عليهم:
وهي
المرتبة التي يمثلها أولئك الذين أتيحت لهم كل وسائل الهداية، ومع ذلك أعرضوا
عنها، وربما لم يكتفوا بذلك، وإنما أضافوا إليه ذلك التمرد على الهداة إلى الله،
وتشويه الهداية التي جاءوا بها، وبذلك وضعوا الحجب بين الخلق وبين الأنوار
الإلهية، ولذلك كانت العقوبة المتناسبة مع جريمتهم هي تحمل جميع أوزار الذين
أضلوهم بغير علم.
ويمكننا
اكتشاف هذا بسهولة عند البحث في المغضوب عليهم في القرآن الكريم؛ فمنهم وأولهم
أولئك الذين عبدوا العجل في عهد موسى عليه السلام، وبحضور أخيه نبي الله هارون
عليه السلام، ومع ذلك تمردوا عليه، وعلى الهداية التي جاء بها، على الرغم من
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 528