اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 520
على الذات، ليدل على هذا المعنى، فإنه إذا قيل:(حكم الملك الشجاع) دل ذلك
على ان أكبر منجزات هذا الملك مؤسسة على شجاعته، وإن قيل:(حكم الملك العادل) دل
ذلك على أن أبرز ما يظهر في مملكته هو عدله، وهكذا.
وهذا ما نفهمه من الآية الكريمة، فهي لم
تقرر معنى الاستواء بقدر ما قررت معنى الرحمة التي على أساسها يحكم الكون، ولكن
التحريف اهتم بالاستواء وأوغل فيه مع دقة مسلكه، وكاد يعرض عن معنى الرحمة التي هي
المقصود الأول من البيان في هذه الآية.
وبناء على هذا نرى القرآن الكريم يقرن المعاد باسمه الرحمن،
كما في قوله تعالى:﴿ الْمُلْكُ
يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ
عَسِيراً﴾ (الفرقان:26)، وهذا يعني أن الحاكم في كل قوانين ذلك اليوم هو
الرحمة الإلهية المندرجة ضمن اسم [الرحمن]، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ
كُلَّ شَيْءٍ ﴾ (الأعراف:من: 156)، وقال تعالى:﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ
فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ
الْمُجْرِمِينَ﴾ (الأنعام:147)
ولكن الإشكال
الذي يثار هنا هو عن كيفية الجمع بين الألم والعقوبة وما نراه، والرحمة الإلهية،
وهذا ما يفسره اسم [الرحيم] والذي تتشكل منه البسملة التي تفسر كل شيء في الكون.
فالرحيم هو
أول تجل من تجليات الرحمن، أو هو التنفيذ العملي لما تقتضيه الرحمة الإلهية، والذي
قد يظهر بمظاهر مختلفة، قد يكون من بينها القسوة التي تستدعيها الضرورة.
وكمثال تقريبي
لذلك أن يأتي مفتش لمدرسة من المدارس؛ فيرى تلاميذها منشغلين عن دراستهم، منحرفين
عنها، لا يبالون بها.. وعندها تتداركه الرحمة لإنقاذ مستقبلهم المهدد، فيقرر إرسال
معلمين ممتلئين بالحزم والشدة ليعيدوهم إلى جادة الصواب، وباستعمال كل الطرق
الممكنة.
وقد يذهب إلى
مدرسة أخرى، فيجدها ممتلئة نظاما وأدبا، ويجد تلاميذها مستوعبين
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 520