فمن الأوصاف التي وردت بشأنها، والتي تخالف
خمر الدنيا أنها بيضاء نقية لذة للشاربين، بخلاف خمر الدنيا، فإنها كريهة عند
الشرب.. (لا فيها غول) وهو ما يصيب شاربها في الدنيا، من صداع، أو ألم في بطنه، أو
ذهاب للعقل، (وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) بخلاف خمر الدنيا التي تذهب عقولهم.
ولذلك فإن كل الطعام والشراب الموجود في دار
المحسنين ليس فيه إلا المتعة المحضة، ولا تعقبه أي آثار مثل تلك التي تحدث في
أطعمة الدنيا وشرابها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ
وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ
عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
[الطور: 17 - 19]، وقال: ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ
رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا
وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾
[الحاقة: 21 - 24]
بل إن
هناك إشارات قرآنية إلى الآثار الروحية التي يحدثها ذلك الطعام والشراب في نفوس
أصحابه، كما عبر عن ذلك العلامة الطباطبائي في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ
رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾ [الإنسان: 21]، فقال: (أي بالغا في التطهير،
لا تدع قذارة إلا أزالها، ومن القذارة قذارة الغفلة عن الله سبحانه والاحتجاب عن
التوجه إليه، فهم غير محجوبين عن ربهم، ولذا كان لهم أن يحمدوا ربهم كما قال: ﴿
وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس:
10] والحمد وصف لا يصلح له إلا المخلصون من عباد الله تعالى.. وقد أسقط تعالى في
قوله: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [الإنسان: 21]الوسائط كلها، ونسب
سقيهم إلى نفسه، وهذا أفضل ما ذكره الله تعالى من النعيم الموهوب لهم في الجنة،
ولعله من المزيد
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 502