بل إن
القرآن الكريم يذكر إمكانية تواصل المسيئين مع المحسنين، لكن لا لينعموا بذلك
التواصل، وإنما ليتعذبوا ويتأدبوا به، قال تعالى يذكر مشهدا من تلك المشاهد: ﴿
وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ
الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا
عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا
وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الأعراف: 50، 51]
ومثل
ذلك ذكر الله تعالى المسيئين مع المحسنين، قال تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا
فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ
مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾
[الأعراف: 44]
هذه
بعض مشاهد الألم التي يعاني منها أولئك الذين آثروا أن يقاطعوا ربهم، والهداة الذين
أرسلهم، والهداية التي أرسلها معهم، ولذلك كان كل ما حصل لهم من قطيعة جزاء
متوافقا تماما مع اختياراتهم ورغباتهم التي شكلوا منها نفوسهم.
وهي في
نفس الوقت نوع من أنواع التربية لهم، ليدركوا قيمة الإيمان الذي فرطوا فيه، وباعوه
بثمن بخس، ولهذا ورد في التعقيب على بعض تلك المشاهد التي ذكرناها قوله تعالى: ﴿قَالَ
كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا
أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا
قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون:
112 - 115]، وهذا درس لهم، ليتخلصوا من كل ذلك الران الذي طبع قلوبهم في الدنيا عن
الهداية، ولا تزال آثاره معهم في الجحيم، ولذلك احتاجوا إلى البقاء فيها حتى يزال
عنهم ذلك الران، أو يبقوا فيها أبد الآبدين.
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 456