اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 41
وجوهرها، فلا تنحصر تلك الحقيقة السامية في
هذه الحياة الدنيا الفانية القصيرة الناقصة المؤلمة، بل إن الخواص التسع والعشرين
للحياة وعظمة ماهيتها، وما يُفهم من غاية شجرتِها ونتيجتها.. ما هي إلّا الحياة
الأبدية، والحياة الآخرة والحياة الحية بحَجَرها وترابِها وشجرها في دار السعادة
الخالدة. وإلّا يلزم أن تظل شجرة الحياة المجهَّزة بهذه الأجهزة الغزيرة المتنوعة
في ذوي الشعور ـ ولا سيما الإنسان ـ دون ثمر ولا فائدة ولا حقيقة، ولظل الإنسانُ
تعسا وشقيا وذليلا وأحط من العصفور بعشرين درجة، بالنسبة لسعادة الحياة، مع أنه
أسمى مخلوق وأكرم ذوي الحياة وأرفع من العصفور بعشرين درجة. بل العقلُ الذي هو
أثمن نعمة يصبح بلاءً ومصيبة على الإنسان بتفكره في أحزان الزمان الغابر ومخاوف
المستقبل، فيعذِّب قلبَه دائما معكّرا صفو لذة واحدة بتسعة آلام!. ولاشك أن هذا
باطل مائة في المائة) [1]
ثم راح يتساءل قائلا: (يا تُرى هل يمكن لربّ
قدير، يهيئ ما يلزم حياتك من الحاجات المتعلقة بها جميعا ويوفر لك أجهزتَها كلها
سواء في جسمك أو في حديقتك أو في بلدك، ويرسلُه في وقته المناسب بحكمة وعناية
ورحمة، حتى إنه يعلم رغبةَ معدتك فيما يكفل لك العيش والبقاء، ويسمع ما تَهتف به
من الدعاء الخاص الجزئي للرزق مُبديا قبولَه لذلك الدعاء بما بثّ من الأطعمة
اللذيذة غير المحدودة ليُطمئِن تلك المعدة! فهل يمكن لهذا المدبّر القدير أن لا
يعرفك؟ ولا يراك؟ ولا يهيئ الأسباب الضرورية لأعظم غاية للإنسان وهي الحياة
الأبدية؟ ولا يستجيب لأعظم دعاء وأهمّه وأعمّه، وهو دعاء البقاء والخلود؟ ولا
يقبله بعدم إنشائه الحياة الآخرة وإيجاد الجنة؟ ولا يسمع دعاء هذا الإنسان وهو
أسمى مخلوق في الكون بل هو سلطان الأرض ونتيجتها.. ذلك الدعاء العام القوي