اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 40
بينما رأى آخرون استحالة خلوها من الوظيفة،
بناء على ما يرونه في جسم الإنسان، وأنه لا يوجد فيه شيء من دون أن تكون له حكمة،
وغياب معرفتنا بالحكمة لا يعني عدم وجودها، فلذلك راحوا يفترضون فرضيات كثيرة،
ويطبقون عليها المنهج العلمي إلى أن وصلوا إلى التعرف على دورها.
وهكذا كان التطور العلمي سببا في اكتشاف
الحكمة المجهولة من هذا العضو البسيط، وهو يدل على أن العقل الذي يلجأ إلى نفي
الحكمة، ويدعو بذلك إلى التخلي عن البحث عنها عقل كسول، بخلاف العقل الذي يبحث عن
الحكمة المختفية وراء ما يراه من مظاهر.
ولهذا كان الذي يسأل عن سر الكون، والحكمة
منه، ويبحث جادا عن ذلك، وعبر المناهج المختلفة أكثر علمية من ذلك العقل الكسول
الذي يرى خلو أبسط أجزاء الكون من العبث في نفس الوقت الذي يتوهم فيه أن الكون
بجملته خلق عبثا، ولا جدوى منه، ولا حكمة من ورائه.
ومثل ذلك مثل من يدخل قصرا يرى فيه الجمال
والإتقان، وأن كل شيء فيه مصمم وفق تصميم بديع، ولغايات نبيلة.. لكنه وبعد التعرف
على أسرار كل تفاصيله وغرفه، يذكر أن القصر جميعا بني لغير حكمة، وأنه مجرد عبث..
وهذا مستحيل فالحكمة في التفاصيل والجزئيات والفروع تدل على الحكمة في الأهداف
والغايات والكليات.
وقد ذكر القرآن الكريم بعض المظاهر التي
نستطيع من خلالها أن نكتشف أن الحياة أعظم من أن تنحصر بالصورة التي نراها، فقال: ﴿يُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ [الروم: 19]
وقد علق عليها بديع الزمان النورسي في [رسالة
الحشر] مبينا وجوه الاستدلال بها على هذا المعنى، فقال: (ما دامت (الحياة) هي حكمة
خلق الكائنات، وأهم نتيجتها
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 40