اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 38
يخاطب
الله تعالى الذين قالوا ـ مغترين بما لديهم من المعارف ـ: ﴿أَإِذَا كُنَّا
عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ (الاسراء:
49)، بأمرهم بأن يتحولوا إلى أي شيء شاءوا مما يتعتقدون قوته: ﴿قُل كُونُوا
حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾
(الاسراء: 50 - 51)، فإذا بقيت حيرتهم حينها ويقولون: ﴿مَن يُعِيدُنَا﴾،
فإن الجواب القرآني يكتفي بتذكيرهم بالنظر إلى مبدأ خلقهم، قال تعالى: ﴿قُلِ
الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾
ثم
يذكر القرآن الكريم ابتعاد أولئك الجاحدين عن المنهج العلمي، عندما يفرون من أصل
القضية إلى فروعها، وذلك بالسؤال عن موعد ما لا يؤمنون به، وكأن عدم تحديد الموعد
هو الدليل على ما ينكرونه، قال تعالى: ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ
وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾ (الاسراء:51)
2 ـ الموت وبرهان الحكمة:
وهو من البراهين الواضحة جدا، ذلك أن العقل
يحكم بأن تصرفات العليم الخبير لا تكون إلا بناء على حكمة جليلة قد نعلمها، وقد لا
نعلمها، وعدم علمنا بها لا يعني عدم وجودها، فلذلك إن أخبرنا عنها بنفسه، أو أرسل
من يخبر عنها، كان في ذلك موافقة لما تقتضيه العقول.
وقد أرسل الله لنا من يدلنا على حكمته من
خلقه، ويبين لنا الأهداف الكبرى لكل ما نراه في الكون والحياة، وأنه لم يخلق عبثا،
بل لكل شيء غاية من ورائه، قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون:
115]، ثم عقب بعدها ببيان استحالة العبث على الله، فقال: ﴿فَتَعَالَى الله
الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾
[المؤمنون: 116]
وهكذا اعتبر القرآن الكريمة خلو الكون من
الغاية نوعا من الباطل الذي يتنزه عنه الحق، وكيف لا يتنزه عنه، وخلقه مع ضعفهم
وقصورهم ينزهون تصرفاتهم من أن تكون
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 38