اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 362
ذلك أن
مصطلح الميزان في القرآن الكريم لا يراد منه ما نتخيله من الموازين البسيطة، وإنما
يراد به ما هو أعمق بكثير، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الشورى: 17]، فقد اعتبر القرآن
الكريم الميزان مقصدا من مقاصد التنزل القرآني، ويعني بذلك أنه يضع المعايير
والقيم التي تنظم حياة البشر.
وهكذا
بين أن كل الرسل جاءوا بالكتاب والموازين، كما قال تعالى:﴿لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]، ويعني بذلك
أنهم جاءوا بالتعريف بحقائق الوجود، والقيم التي يقوم عليها السلوك الإنساني،
لينضبط مع مقتضيات تلك الحقائق.
بل إن
القرآن الكريم يذكر أن الميزان موجود وسار في كل شيء، كما قال تعالى: ﴿
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي
الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾
[الرحمن: 7 - 9]
وبذلك
فإن الموازين بحسب اللغة القرآنية لا تفيد أصحاب تلك النظرة البسيطة التي اختصرت
في الموازين الحسية التي اخترعها الإنسان البدائي، والتي تخلى عنها البشر بعد ذلك،
حيث أصبحت الموازين ذات أشكال كثيرة مختلفة، ولا تحتاج إلى الكفة الثانية، لأنها
مزودة بمعايير الوزن الدقيقة.
وقد
ذكر الشيخ جعفر السبحاني ما ذهب إليه أهل الحديث ومعهم بعض المتكلّمين من أنّه
ينصب يوم القيامة ميزان كموازين الدنيا، وتوضع الأعمال الصالحة في كفة والطالحة
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 362