اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 334
وفي
بعض الآثار عن ابن عباس أنه قال لابن الأزرق: (إن يوم القيامة يأتي على الناس منه
حين، لا ينطقون، ولا يعتذرون، ولا يتكلمون حتى يؤذن لهم، ثم يؤذن لهم فيختصمون
فيجحد الجاحد بشركهِ بالله تعالى: ﴿فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ
لَكُمْ ﴾ [المجادلة: 18]، فيبعث الله تعالى عليهم حين يجحدون شهداءَ من
أنفسهم جلودَهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ويختم على أفواههم، ثم يفتح لهم الأفواه
فتخاصم الجوارح، فتقول:﴿أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [فصلت:21]،
فتقر الألسنة بعد الجحود)[1]
3 ـ الحساب والمساءلة:
من
تجليات العدالة الإلهية في أرض المحشر ما وضعه الله تعالى من قوانين ترتبط بحساب
عباده على أعمالهم، ومساءلتهم عليها، بحسب الظروف التي أتيحت لهم، والإمكانيات
التي كانت في طاقتهم، وإتاحة الفرصة لهم، ليجيبوا على ما يطرح عليهم من أسئلة،
والاعتذار بما يرونه من معاذير، بل يمكنهم أثناء الحساب أن يستدعوا من شاءوا من
الشهود، أو ممن يرضى بالدفاع عنهم.
وبذلك؛
فإن أقرب التشبيهات للحساب الإلهي في الآخرة، تلك المحاكمات العادلة التي تجري في
الدنيا، والتي يعرض فيها أولا على المتهم جرائمه، ثم يتاح له بعد ذلك تبريرها بما
يراه، أو يستدعي من يتولى ذلك عنه.
وطبعا،
فإن العدالة المطلقة في الآخرة تستدعي دراسة كل قضية، وبكل تفاصيلها، والحيثيات
المحيطة بها، وتعالج القضايا جمعيا، وبكل سرعة، وليس مثل محاكم الدنيا التي تتسم
بالبطء والضعف الشديد، والذي قد يستغله المخادعون في التفلت من أحكامها، وقد