أما ما
روي من أن الملكين لا يسجلان إلا الأعمال الظاهرة استدلالا بحديث واه جدا لفظه:(قال
الله تعالى: الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحب، لا يطلع عليه ملك فيكتبه، ولا
شيطان فيفسده)[2]، فهو لا يقوى لرد الحديث الصحيح الصريح.
ونحب أن نختم هذا المطلب بموعظة تربوية بليغة علمنا إياها الإمام السجاد،
ليبين من خلالها الآثار الروحية والسلوكية للحقائق العقدية، وأنها ليست مجرد
معلومات تخزن في الذهن، ثم لا يكون لها أي دور في السلوك.
وهي
تنبع من تلك التعاليم الواردة في النصوص المقدسة حول الدعوة لتحرير الرقيق، والتي
قصرت الأمة للأسف في تطبيقها، ولذلك أعطى الإمام السجاد هذا الدرس البليغ لمن
يتصورون أنفسهم سادة، ويتصورون أن لهم الحق بذلك في إذلال الرقيق.
فقد
حدث الإمام الصادق عن جده الإمام السجاد، فقال: (كان عليّ بن الحسين إذا أذنب
العبد والأمة يكتب عنده أذنب فلان، أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه فيجتمع
عليهم الأدب، حتّى إذا كان آخر الليلة من شهر رمضان، دعاهم وجمعهم حوله، ثمّ أظهر
الكتاب، ثمّ قال: يا فلان فعلت كذا وكذا، ولم أؤدّبك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى يا بن
رسول الله، حتّى يأتي على آخرهم فيقرّرهم جميعاً، ثمّ يقوم وسطهم، ويقول لهم:
ارفعوا أصواتكم، وقولوا: يا عليّ بن الحسين، إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّما عملت،
كما أحصيت علينا كلّما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحقّ، لا يغادر صغيرة ولا
كبيرة ممّا أتيت إلّا أحصاها، وتجد كلّما عملت لديه حاضراً، كما وجدنا كلّما عملنا
لديك حاضراً، فاعف واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبّ أن يعفو المليك عنك،
فاعف عنّا تجده عفوّاً، وبك رحيماً، ولك غفوراً، ولا يظلم ربّك أحداً، كما لديك
كتاب ينطق علينا بالحقّ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيناها إلّا أحصاها،
[2]
رواه القشيري في الرسالة (ص 104) وقد روي مثل هذا عن حذيفة، سألت النبي a عن علم الباطن ما هو فقال سألت جبريل عنه فقال: سر بيني
وبين أحبائي وأوليائي وأصفيائي أودعه في قلوبهم لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي
مرسل) قال ابن حجر: هو موضوع.
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 305