اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 274
وقد
قلنا في كتاب [أسرار الأقدار] عند الحديث عن هذه المسألة في الفصل الخاص بأسرار
العدالة: (قد عرفنا أن أمر المكلف بيده، فإن أحسن فلنفسه، وإن أساء فعليها، ولا
حجة له بعد أن قامت عليه كل الحجج.. لكن كيف يتحقق العدل مع غير المكلف؟.. مع ذلك
الصبي الذي مات وهو يحمل بذور الخير والشر، والتي لم تسق بعد فتنبت.. أو مع ذلك
الفلاح الذي عاش في أقاصي الأرض منهمكا مع محراثه لا يعلم بإله، ولا يعرف نبيا.. أو
مع ذلك المعتوه الذي يرمى بالحجارة، ولو كان عاقلا لتبين معدنه، وتحقق خبثه أو
طيبه.. إن قلنا بأنهم يدخلون الجنة، فبأي عمل عملوه؟ وإن قلنا بأنهم يدخلون النار،
فبأي جناية جنوها؟.. وإن قلنا: إن أمرهم للمشيئة، أو لعلم الله فيهم، فلماذا لم
يكن أمر الخلق جميعا للمشيئة، فلم تقم محكمة القيامة، ولم يكن هناك حساب ولا كتب
ولا موازين؟.. وإن قلنا: إن أمرهم للرحمة، فقد يقول البالغ: لماذا يارب لم تتوفني
صبيا لتشملني رحمتك التي شملت الصبي؟.. ويقول العاقل: لم يارب لم تذهب عقلي لأبصر
من الرحمة ما يبصره المجنون؟.. ويقول الفيلسوف: لم يا رب لم تجعلني في غياهب الجهل
التي حميت بها ذلك الفلاح البسيط من التعرض لمقتك وعقابك؟)[1]
ثم
ذكرنا الأقوال المختلفة في المسألة، وبينا أن أكثرها لا يمكن اعتمادها، بناء على
مجافاتها للرحمة أو العدالة الإلهية..
فمن
أمثلة الأقوال المجافية للرحمة تلك التي تنص على أنهم في النار، وللأسف فإن هؤلاء يعتمدون
بعض الأحاديث التي يظهر عليها الوضع والتدليس وتشويه النبوة، ومن أمثلتها ما روي أن رسول الله a سئل عن أولاد
المسلمين أين هم؟، فقال:(في الجنة) وسئل عن أولاد المشركين أين هم يوم القيامة؟،
فقال:(في النار)، فقيل له:(لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم