وبعد
أن ذكر كل هذه المراحل ـ والتي اكتشف العلم الحديث مدى واقعيتها وصدقها على الرغم
من مخالفتها لثقافة البيئة التي نزل فيها[1] ـ راح يذكر المرحلة الأخيرة في سلم الترقي نحو الكمال الإنساني، والتي
عبر عنها قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) ﴾ [المؤمنون: 15 -
17]، وهذا يدل على أن ذلك البعث مرحلة جديدة من مراحل التطور الإنساني نحو الكمال.
وهكذا
ورد في قوله تعالى في سورة الحج عند تعداد مراحل تطور الخلقة الإنسانية باعتبارها
برهانا من براهين البعث، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ
فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ
نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ
مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ
لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً
فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ
كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5]
ثم قال
بعدها معللا سر ذلك: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ
الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ
لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)﴾ [الحج:
6، 7]
وغيرها
من الآيات الكريمة التي تعتبر النشأة الثانية مرحلة تطورية كبرى عقب انتهاء مراحل
النشأة الأولى، وهي تشير كذلك إلى أن تلك النشأة مختلفة في طبيعتها وشكلها عن
النشأة الأولى،
[1]
ذكرنا ذلك بتفصيل في كتاب معجزات علمية (ص: 354، فما بعدها)
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 235